"أوضح نقطة، وهي التي يبدو أنَّها غير واضحة لبعض الذين أُصيبوا بتَشَوُّش، إسرائيل دولة يهوديّة وديمقراطيّة. هذا يعني أنَّها دولة قوميّة للشعب اليهوديّ وله فقط. الدولة تحترم الحقوق الشخصيّة لجميع مواطنيها اليهود وغير اليهود، ولكنَّها كدولة قوميّة، فهي ليست لجميع مواطنيها، وإنما فقط للشعب اليهوديّ." بنيامين نتنياهو
في العام 2014، رُفعت نسبة الحَسْم في انتخابات الكنيست من 2% إلى 3.25%، هذا الرفع الذي يمس في أساسهِ الأحزاب العربيَّة المُشاركة في انتخاباتِ الكنيست -بحسب اعتراض مركز عدالة المقدَّم للمحكمة العليا في حينه-، إلا أنّه دفع بالأحزاب العربيَّة (التجمُّع، الجبهة، الإسلاميّة الجنوبيّة، العربيّة للتغير) لتجتمع في قائمة موحَّدة لخوض انتخابات 2015، لتضمن مكاناً لها تحت سقف البرلمان الصهيونيّ، ورغم الإشارات المتكرّرة إلى أنَّ التحالف لم يكن بسبب رفع نسبة الحسم، وأنَّه جاء استجابةً لمطالب الفلسطينيين في الأراضي المُحتلة عام 1948 لتوحيد العمل للحصول على مكتسبات. لم تصمد القائمة المشتركة طويلاً، فقبل نهاية دورة الكنيست الحالية، انهارت القائمة –كادت أن تنهار في عدة مرات سابقاً نتيجة الخلاف على التناوب بين النواب- وتشظَّت نتيجة المطالبة بالمناصب في داخلها مما أدى في النهاية إلى إنتاجِ تحالفات جديدة ومفاجئة إلى حدٍ ما.
عند تشكيل القائمة المشتركة قال رئيسها أيمن عودة "هذا يوم تاريخي للجماهير العربية. سنرد على العنصريَّة وعلى من أراد إقصاءنا وإخراجنا بتشكيل القوة الثالثة في الكنيست، سنهزم اليمين وسنحصل على 15 مقعداً وسنؤثر على القرار السياسي في إسرائيل". ورغم تفاؤل عودة في حينه، إلا أنَّه ليس من المبالغة لو قلنا أنَّ هذه الدورة كانت من أسوأ الدورات الانتخابيَّة على الفلسطينيين، ومما يقلل حدتها عدم اتخاذ قرارات بشن حروب –مع وجود 6 جولات مواجهة ضد غزة-. لكن بالحديث عن الشق السياسيّ الذي استهدفته القائمة المشتركة في عملها، فقد شهدت هذه الدورة سن العديد من القوانين ضد الفلسطينيين سواء في الأراضي المُحتلة عام 1948 أو 1967 وفي المعتقلات، وسنعرض أبرز هذه القوانيين كمحاججة على فشل العمل السياسيّ العربيّ من خلال الكنيست. ورغم أنَّ رفض الكنيست هو أمر مبدئي، إلا أنَّه يمكن الـتأكيد على عدم جدوى المشاركة من خلال استعراض سريع للقوانين التي سُنَّت في حضورِ أكبر تواجدٍ للقوائم العربيّة في الكنيست، والتي كان وجودها شكلياً وغير قادر على تحقيق أي انزياح حقيقيّ، أي مشاركة شكليّة ساهمت في تعزيز ترويج إسرائيل لنفسها "كديمقراطيّة وحيدة في الشرق الأوسط".
وبالعودة للحديث عن القوانين، لعلَّ أبرز القوانين التي مرَّت عبر الكنيست هو قانون القوميَّة الذي فشلت القائمة المشتركة في منعه، وتوجهت لتعترض عليه في ساحة رابين في مسيرة شكليّة، ولم تُقدِّم أي فعل سياسيّ حقيقيّ لمواجهة القانون الذي لم يأتي بجديد بل كان دليلاً إضافياً على فشل أي مشروع تعايش وتقاسم للدولة. كما تم إقرار قانون أساس الذي ينص على أنَّ القدس المُوحدة عاصمة "إسرائيل"، وقانون تبييض "تسوية" المستوطنات، وإجبار المؤسَّسات غير الحكومية على الكشف عن مصادر تمويلها، وقانون احتجاز جثامين الشهداء، كما تم المصادقة على قانون يجيز لوزير الداخليَّة الإسرائيلي سحب الإقامات من سكان القدس والجولان، بالإضافة إلى عدة قوانين تمس الأسرى مثل تشديد عقوبة إلقاء الحجارة على الأطفال والفلسطينيين في القدس، وإلغاء الإفراج المبكر.
وعليه يمكن الوصول لاستنتاج أنَّ المشاركة في الكنيست بلا جدوى ولا يمكن من خلالها تغيير الواقع ولا حتى تغيير الظروف الحياتيَّة الصعبة. فرغم تعويل أيمن عودة الكبير على "المشتركة" التي اعتبرها "السبيل الوحيد لمواجهة المشاكل الحياتيَّة الملحة جداً في السكن، والعمل، واتساع الفقر وغيره نتيجة التمييز العنصري المتراكم من قبل إسرائيل"، إلا أنَّه من خلال مراجعة حصاد عدة سنوات نرى فشل هذا الرهان، فكل هذه القوانين وغيرها مرت أمام أعين 13 نائباً عربياً، يذهبون كل يوم للعمل في الكنيست، لتجميل صورة إسرائيل أمام العالم، يلقون خطاباتٍ طويلة ورنانة من نفس المكان الذي يشرعَن ويعلَن فيه قصف غزة، وهدم العراقيب، وشرعنة المستوطنات.
أدَّت المشاركة في انتخابات الكنيست أيضاً إلى تحول تام في شكل العمل النضالي بالداخل المحتل واصبحت هذه المشاركة تتجه غالباً نحو تهدئة الأمور في كثير من الأحيان. وتحوَّلت المشاركة فيه بالنسبة للأحزاب العربيَّة التي أعلنت في أحيان عدة أنَّ المشاركة تكتيكيَّة ولها أهدافها، إلى استراتيجيَّة، وهذا ظهر في المشاورات الأخيرة بعد انفلات عقد المشتركة نتيجة التنافس على منصب رئيسها، فيما اعتبرت المشاركة في الكنيست نضالاً مهماً رغم عدم إحرازه أي نتيجة حقيقيَّة لا على مستوى التشريع ولا على مستوى الأمور اليوميَّة المهمة في حياة الناس مثل منع هدم البناء غير المرخَّص ومحاولة حل هذه القضية.
إنَّ المشاركة في انتخابات الكنيست هي قبول وجود الاستعمار الاستيطاني في فلسطين وتعزيز لهيمنته وتثبيت بنيته من خلال مأسسة النضال في داخل مُؤسساته التي أنشأها على أساسٍ لا يدع مجالاً لتغيير الواقع الاستعماري وتفكيكه من خلالها، بل القبول في السقف الذي يحدده الاستعمار، وتقويض أي بنى أخرى أو فعل آخر مقاوِم للوجود الاستعماري مهما كان، وفي هذه الحالة فإنَّ مقاطعة انتخابات الكنيست هي فعل سياسيّ وثوريّ يرفض التعامل مع البنية الاستعماريّة، فمن يقبل الدخول في المؤسَّسة يقبل الخضوع طوعاً ويوافق على الولاء لها، وسيقف ليؤدي يمين الولاء لدولة الاستعمار وفي الخلفيَّة سيصدح نشيد "الهتيكفا".
