إنقلاب كبير في مواقف دول القارة بين الأربعينيات الماضية ومطالع القرن الجديد، مع تنامي وزن اليسار وتأثيره في القارة
هذه المادة هي فصل في كتاب صدر مؤخراً عن علاقات الدولة الصهيونية بمناطق العالم المختلفة.
ربما كانت أميركا اللاتينية المنطقة الجغرافية الشاسعة التي شهدت أوسع تراجع لرصيد إسرائيل السياسي ولصورتها فيها منذ أواخر الأربعينيات الماضية. وهو تراجع أقرب الى الإنقلاب.
ومعروف ان نجاح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، المعروف باسم قرار تقسيم فلسطين، والصادر في 29/11/1947، ما كان ليتحقق لولا تصويت غالبية دول أميركا اللاتينية الى جانب القرار. مع العلم بأن عدداً من حكومات دول تلك المنطقة قد تعرض لضغوط وإغراءات، في آنٍ واحد، من قبل الولايات المتحدة ومن رموز الحركة الصهيونية وناشطيها وأصدقائها على حد سواء، لحسم موقفها بهذا الإتجاه.
تأييد واسع لإسرائيل منذ أواخر الأربعينيات وحتى مطلع السبعينيات
ذلك ان دول أميركا اللاتينية كانت في أواخر العام 1947 تشكل أكثر من ثلث عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة: 20 دولة عضو، من أصل 56 دولة تشكّل مجموع عدد عضوية الجمعية العامة آنذاك (أو 19 دولة من أميركا الجنوبية والوسطى والكاريبي، إذا استثنينا المكسيك، الدولة اللاتينية الواقعة في أميركا الشمالية). وقد صوّتت غالبية هذه الدول لصالح قرار التقسيم (13 دولة هي: بوليفيا، والبرازيل، وكوستاريكا، وجمهورية الدومينيكان، وإكوادور، وغواتيمالا، وهاييتي، ونيكاراغوا، وبناما، وباراغواي، وبيرو، وأوروغواي، وفنزويلا). وصوّتت دولة واحدة ضده، هي كوبا. وامتنعت 5 دول من أميركا الجنوبية والوسطى عن التصويت (هي الأرجنتين، وتشيلي، وكولومبيا، والسلفادور، وهوندوراس)، بالإضافة الى المكسيك التي تنتمي جغرافياً الى أميركا الشمالية. وبما ان عدد الدول المصوتة الى جانب قرار التقسيم كان 33 وعدد تلك المعارضة كان 13 وعدد الممتنعة منها كان 10 دول، فإن كتلة أميركا اللاتينية التي صوتت لصالحه شكّلت أكثر من ثلث قوام المؤيدين للقرار.
وواضح أن البعد الجغرافي للمنطقة العربية المشرقية، ساحة الصراع، من جهة، وضعف حضور الدول العربية، القليلة العدد في الجمعية العامة آنذاك، في القارة اللاتينية، والنفوذ الواسع للولايات المتحدة في هذه القارة وسطوتها السياسية والعسكرية والإقتصادية عليها، وكذلك نشاطات الحركة الصهيونية في القارة الأميركية، من جهة أخرى، كلها عوامل لعبت دورها في ترجيح كفة التصويت لصالح قرار التقسيم. ومعروف ان الحركة الصهيونية تعاملت مع القرار باعتباره بطاقة تشريع لقيام دولتها في فلسطين، مع تجاهلها للشق الآخر من القرار، والقاضي بقيام دولة عربية أيضاً، لا بل هي عملت بشكل منهجي على تدمير فرص قيام هذه الدولة على الأرض من خلال سلوكها العملي على الأرض، كما من خلال صفقات سرية.
ومعروف أيضاً ان الولايات المتحدة كانت تعتبر القارة الأميركية بمجملها، أي بما يشمل أميركا اللاتينية والكاريبي، منطقة نفوذ خاصة بها. وهو ما تم ترسيمه في وقت مبكر بعد بدء استقلالات دول هذه المنطقة عن دولتي إسبانيا والبرتغال الأوروبيتين، وذلك عندما أصدر الرئيس الأميركي جيمس مونرو في العام 1823 ما عُرف باسم “عقيدة مونرو” التي ترفض أي تدخل من دول خارج القارة في شؤون القارة كلها، بما يعني احتكار الولايات المتحدة، الدولة الأقوى في القارة، لهذا النفوذ. وهو ما مارسته عملياً في عدة مناسبات وبالتدخل العسكري المباشر عندما يلزم الأمر. وبما ان إدارة الولايات المتحدة، وخاصة رئيسها، كانت في العام 1947 شديدة الحماس للحركة الصهيونية ومشروع دولتها في فلسطين، فكان من الطبيعي أن تمارس ضغوطها القوية على دول القارة لتمرير قرار التقسيم، والقرارات اللاحقة المشرِّعة لوجود الدولة الصهيونية.
وجدير بالذكر أن خورخي غارسيا غرانادوس، سفير غواتيمالا في الأمم المتحدة آنذاك، كان عضواً في لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين التي تشكلت في العام 1947، وأوصت غالبية أعضائها بالتقسيم. وهو لعب دوراً نشطاً، حسب مجلة “تابلت” اليهودية الأميركية، في تجنيد أصوات عدد من الدول في الجمعية العامة لصالح دولة إسرائيل في الأمم المتحدة. وهو أصبح بعد ذلك أول سفير لغواتيمالا في إسرائيل. ولاحقاً، تم إطلاق اسمه على عدد من الشوارع في إسرائيل. وكانت غواتيمالا أول بلد ينقل سفارته الى القدس الغربية في العام 1955، لكنها أعادتها لاحقاً الى تل أبيب. وكانت هناك توجهات لاحقة لدى الرئيس راميرو دي ليون كاربيو (1993- 1996) لإعادة السفارة الى القدس الغربية، لكن ضغوط مزارعي “حب الهال” في البلد، الذين كانوا يخشون على أسواقهم الرئيسية في البلدان العربية، منعته من الإقدام على هذه الخطوة، حسب المجلة.(1)
وإذا كانت غالبية من دول أميركا اللاتينية قد صوّتت الى جانب قرار تقسيم فلسطين وليست كلها، فهي لم تلبث أن قامت كلها، بدون استثناء، بالإعتراف بدولة إسرائيل، التي أعلنها دافيد بن غوريون في تل أبيب يوم 14/5/1948، وتم قبولها في هيئة الأمم المتحدة كالعضو رقم 59 في أيار/مايو 1949. ولكن سرعة الإعتراف كانت متفاوتة بين بلدان القارة. ويصنّف كتاب إيلي كوفمان وزميليه يورام شابيرا ويوئيل بارومي دول القارة اللاتينية في تلك المرحلة ضمن ثلاث مجموعات، حسب موعد الإعتراف بالدولة الإسرائيلية: المجموعة الأولى تضم تلك الدول التي اعترفت بإسرائيل فوراً بعد إعلانها، وهي غواتيمالا، وأوروغواي، وفنزويلا، ونيكاراغوا، وبنما، وكوستاريكا… والمجموعة الثانية تضم الدول التي اعترفت بإسرائيل بعد أيلول/سبتمبر 1948، وهي جمهورية الدومينيكان، والسلفادور، وهوندوراس، وباراغواي… والمجموعة الثالثة أعلنت اعترافها فقط عشية النقاش حول انضمام إسرائيل للأمم المتحدة في ربيع العام 1949 أو أثناءه، وهي تشيلي، والأرجنتين، والبرازيل، وبوليفيا، وإكوادور، وكولومبيا، وكوبا، وهاييتي، وبيرو، بالإضافة الى المكسيك، التي تنتمي الى شمال القارة.
ويقول كتاب كوفمان وشريكيه ان الأرجنتين كانت، في العام 1949، أول بلد أميركي لاتيني يقيم ممثلية في إسرائيل، ولحقتها البرازيل وأوروغواي وغواتيمالا. وحتى العام 1955، عندما أصبحت غواتيمالا أول دولة أميركية لاتينية تنقل سفارتها من تل أبيب الى القدس، كانت الممثليات الأربع لدول أميركا اللاتينية كلها في تل أبيب. وفي 1972، كانت هناك 14 دولة تقيم ممثليات دبلوماسية دائمة في إسرائيل، وكلها، باستثناء كوبا، على مستوى السفراء. وهذا الدعم الدبلوماسي كان في حينه مهماً، إذا ما علمنا أنه كانت هناك لدول آسيا أربع بعثات دائمة فقط، وكذلك لإفريقيا (إحدى ممثليات إفريقيا الأربع كانت تمثل ثلاث دول)، وذلك حتى حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.(2)
وأقيمت أول ممثلية دبلوماسية لإسرائيل في القارة اللاتينية (والرابعة في العالم) في مونتيفيديو، عاصمة أوروغواي، في شهر كانون الأول/ديسمبر 1949. وأقيمت أول قنصلية إسرائيلية في بوينوس أيرس، عاصمة الأرجنتين، وأول قنصلية للأرجنتين في تل أبيب في العام ذاته. وفي 1952، افتتحت إسرائيل أول ممثلية لها في البرازيل. وفي 1953 أفتتحت أول ممثلية لها في المكسيك (أميركا الشمالية).(3)
وفي الستينيات، كانت عشر من البعثات الدبلوماسية الأميركية اللاتينية الأربع عشرة قد أصبحت في القدس الغربية، أو هي أقيمت فيها بالأساس. وكانت غواتيمالا الدولة الأولى التي تقيم سفارتها في القدس الغربية في العام 1955، كما ذكرنا.
ويقول كوفمان وزميلاه انه، بعد أن تنامت الصناعات العسكرية الإسرائيلية في الستينيات بدأ الإهتمام بتصديرها الى أميركا اللاتينية. ويرون ان مستوى التأييد لإسرائيل في ستينيات القرن المنصرم، برأيهم، كان متعاكساً مع حجم البلد: فالبلدان الأكبر(البرازيل، المكسيك، الأرجنتين) هي الأقل تأييداً، والمتوسطة الحجم (تشيلي، كولومبيا، فنزويلا) تأييدها معقول، والصغيرة تأييدها أكبر (ويشيرون بالإسم الى كوستاريكا وغواتيمالا ونيكاراغوا وأوروغواي). ويضيفون ان الإهتمام الإسرائيلي بالقارة الأميركية اللاتينية كان يأتي، في تصنيف رئيس الحكومة الأول لإسرائيل دافيد بن غوريون، في المرتبة الأخيرة بين مناطق العالم المختلفة خلال ربع القرن الأول من عمر إسرائيل، بعد الدول العربية، ثم الدول الأربع الكبرى (المقصود آنذاك الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي وفرنسا وبريطانيا) ثم آسيا وإفريقيا، بالرغم من كون التأييد السياسي الأكبر كان يأتي من أميركا اللاتينية في تلك الحقبة، كما سبق وأشرنا.
ولكن منذ العام 1973، وخاصة إثر حرب تشرين الأول/أكتوبر وتنامي الثروة لدى الدول العربية المنتجة للنفط وكذلك تنامي دور وتحركات الجاليات الفلسطينية والعربية في أميركا اللاتينية ودور منظمة التحرير الدولي، خاصة بعد اعتراف قمة الرباط العربية بها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 1974 وخطاب رئيس المنظمة الراحل ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواسط الشهر التالي، بدأت المواقف تتزحزح في عدد من دول أميركا اللاتينية. فأعاد معظمها نقل سفاراته من القدس الى تل أبيب، وانتهت كوستاريكا والسلفادور الى نقل سفارتيهما من القدس الى تل أبيب في مطلع الثمانينيات.
وشهد العام 1973 أول خسارة دبلوماسية لإسرائيل في القارة مع إعلان الزعيم الكوبي فيديل كاسترو في قمة دول عدم الإنحياز التي انعقدت في الجزائر في النصف الأول من أيلول/سبتمبر من ذلك العام، أي قبل حرب تشرين الأول/أكتوبر باسابيع قليلة، قطع العلاقات الدبلوماسية بين كوبا وإسرائيل، وهي علاقات كانت قد أُقيمت، كما سبق وأشرنا، قبل وصول ثوار “سييرا مايسترا” بقيادة كاسترو الى السلطة في كوبا في اليوم الأول من العام 1959. كما قامت غويانا، المستعمرة البريطانية السابقة في أميركا الجنوبية، بقطع علاقاتها في آذار/مارس 1974.(4)
وبعد أعوام قليلة من الإجرائين الكوبي والغوياني، قامت حكومة الساندينيين المنتصرين في تموز/يوليو 1979 على النظام الإستبدادي القائم حتى ذلك الحين في نيكاراغوا بتجميد العلاقات مع إسرائيل، ثم قطعتها بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1982.(5)
وكانت إسرائيل قد بقيت حتى اللحظة الأخيرة تدعم نظام أنستاسيو سوموسا (سوموزا) الإستبدادي القعمي في ذلك البلد الواقع في أميركا الوسطى بكل الوسائل، وخاصة في مجال التسليح. مما جعل تدهور العلاقات مع الثوريين المنتصرين أمراً طبيعياً، بمعزل عن موقف الثوار من المسألة الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي. وإن كان الثوار قد أقاموا علاقات سابقة مع أطراف من المقاومة الفلسطينية، وكانوا على علم بالوضع في الشرق الأوسط، على الأقل من خلال صلتهم الوثيقة بكوبا. وكانت كوبا، منذ الستينيات، مقر منظمة القارات الثلاث، آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، “تريكونتيننتال”. وهو ما جعل من الطبيعي أن يتم، بعد انتصار الثورة الساندينية بفترة وجيزة، افتتاح مكتب للمنظمة في العاصمة النيكاراغوية، ماناغوا.
وفي واقع الأمر، كانت إسرائيل تنسج منذ وقت مبكر علاقات واسعة، تشمل المجال العسكري، مع معظم أنظمة القارة، بما فيها تلك الأكثر إستبدادية وانتهاكاً لحقوق الإنسان، وخاصة في فترة الحكومات العسكرية التي امتدت في بلد مثل البرازيل، الذي يكاد يشكّل نصف القارة اللاتينية من حيث الوزن البشري والمساحة الجغرافية، من العام 1964 الى العام 1985، وفترات متراوحة بين عدة سنوات وعدة عقود بالنسبة لبلدان أخرى.
وبما ان هذه البلدان شهدت جملة من الحراكات الثورية، في مراحل مختلفة، بعضها أخذ طابعاً مسلحاً، ودخل معظمها في أوائل وأواسط الثمانينيات في مرحلة التخلص من الأنظمة المستبدة وضمان قدر معين من الحريات والحقوق الديمقراطية للمواطنين، كان من الطبيعي أن تشهد المرحلة الجديدة تراجعاً لحميمية العلاقات بين دول القارة والدولة الإسرائيلية.
وهو منحى تطور أبعد من ذلك حين بدأت موجة جديدة من انتصارات القوى اليسارية في العمليات الإنتخابية في دول القارة في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، بدءً بانتصار أوغو تشافيس في انتخابات الرئاسة في فنزويلا، والذي تلته جملة إنتصارات أخرى لقادة وقوى يسارية أخرى خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين في معظم بلدان أميركا الجنوبية، وفي عدد من بلدان أميركا الوسطى والكاريبي. وبالرغم من وجود تلاوين وتباينات في المفاهيم والسياسات بين قوى وتيارات اليسار المنتصرة في بلدان القارة، إلا انها كانت تسعى كلها للتخلص من نير سيطرة الولايات المتحدة واستغلالها الطويل الأمد للقارة. وهو ما عنى أيضاً إعادة تقييم للعلاقة والموقف من الدولة الإسرائيلية، حليف الولايات المتحدة في القارة وشريكها في العديد من عمليات مواجهة القوى اليسارية وحركات التحرر فيها. ومسلسل هذه “الشراكة”، أو الوكالة في بعض الحالات، معروف على نطاق واسع في القارة. ومنها في الثمانينيات الماضية، على سبيل المثال لا الحصر، عمليات دعم وتدريب مجموعات فلول نظام سوموسا، التي عُرفت باسم “كونتراس”، على حدود نيكاراغوا الساندينية، في عمليات التخريب والإستنزاف البشري التي قادتها المخابرات المركزية الأميركية للإطاحة بالنظام اليساري في البلد. وهو ما بات الآن معروفاً وموثّقاً.
وفي هذا السياق، لم يكن مستغرباً أن تثير بعض الأحداث الأخيرة في منطقتنا، وخاصة الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف العام 2006 والحرب الإسرائيلية اللاحقة على قطاع غزة الفلسطيني في الأيام الأخيرة من العام 2008 والأسابيع الثلاثة الأولى من العام 2009، ردات فعل قوية من معظم حكام القارة تجاه إسرائيل. وهي ردات فعل وصلت الى حد اتخاذ كل من بوليفيا وفنزويلا قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في الشهر الأول من العام 2009، بعد أن تم اتخاذهما لخطوات أولية إثر الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف العام 2006، وخاصةً إثر مجزرة قرية قانا في الجنوب اللبناني في 31/7/2006 أثناء الحرب. حيث قام الرئيس الفنزويلي في حينه باستدعاء القائم بالأعمال الفنزويلي في تل أبيب، ووصف العدوان الإسرائيلي بأنه “حرب إبادة” إسرائيلية بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني.
من جانبها، قامت نيكاراغوا، بعد انتخاب زعيم الساندينيين والرئيس الأسبق خلال الثمانينيات، دانييل أورتيغا، رئيساً من جديد في العام 2006، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في مطلع حزيران/يونيو 2010، إثر هجوم الجيش الإسرائيلي على قافلة سفن الدعم الإنساني لغزة، والذي راح ضحيته عدد من المواطنين الأتراك. ومعروف ان عمليات التخريب التي شهدها البلد طوال الثمانينيات أدت الى إخراج الساندينيين من سدة الحكم في العام 1990، لتتم بعد ذلك إعادة العلاقات مع إسرائيل، وذلك في تشرين الأول/أكتوبر 1992.
ولدى إسرائيل، في اواسط العام 2012، أربع سفارات في أميركا الوسطى (في غواتيمالا، والسلفادور، وكوستاريكا، وبناما)، وواحدة في الكاريبي (جمهورية الدومينيكان)، وسبع سفارات في أميركا الجنوبية (في الأرجنتين، والبرازيل، وتشيلي، وكولومبيا، وإكوادور، وبيرو، وأوروغواي). ولديها تمثيل غير مقيم في ست عشرة دولة أخرى، منها ثلاث دول في أميركا الجنوبية (في باراغواي، وسورينام، وغويانا)، واثنتان في أميركا الوسطى (بيليز، وهوندوراس)، والبقية في منطقة الكاريبي (أنتيغوا وباربودا، وباهاماس، وباربادوس، ودومينيكا، وغرينادا، وهاييتي، وجامايكا، وسانت كيتس ونيفيس، وسانتا لوسيا، وسانت فنسنت والغرينادين، وترينيداد وتوباغو).
وهناك سفارات في تل أبيب لكل من: الأرجنتين، والبرازيل، وتشيلي، وكولومبيا، وكوستاريكا، وجمهورية الدومينيكان، وإكوادور، والسلفادور، وغواتيمالا، وهاييتي، وهوندوراس، وبنما، وبيرو، وأوروغواي، بالإضافة الى المكسيك (أميركا الشمالية). وهناك سفارات غير مقيمة لكل من: أنتيغوا وباربودا، وباهاماس، وبيليز، ودومينيكا، وغرينادا، وجامايكا، وباراغواي، وسانت كيتس ونيفيس، وسانت فنسنت والغرينادين. والدول التي ليست لديها تبادل بعثات دبلوماسية مع إسرائيل هي بالتالي: بوليفيا، وكوبا، ونيكاراغوا، وفنزويلا.
مواقف دول أميركا اللاتينية في الهيئات الدولية: تحوّلات منذ مطلع السبعينيات
وقد انعكس هذا التطور في مواقف دول أميركا اللاتينية والكاريبي تجاه إسرائيل والمسألة الفلسطينية في تصويتاتها على قرارات الأمم المتحدة بعد التصويت الشهير على القرار رقم 181، أي قرار التقسيم. ففي التصويت على قبول إسرائيل في عضوية الأمم المتحدة في 11/5/1949 (القرار 273)، وقفت 18 دولة من أميركا اللاتينية مع القرار، وامتنعت دولتان فقط عن التصويت، هما البرازيل والسلفادور.
وتكتب ريجينا شريف في مقالها في “مجلة الدراسات الفلسطينية” الإنكليزية ان موازين القوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة تغيّرت في الستينيات بدخول العديد من الدول الآسيوية والإفريقية، فأصبحت دول أميركا اللاتينية تشكّل في أواخر الستينيات أقل من 16 بالمئة من عضوية المنظمة، مقابل زهاء ثلث العضوية في أواخر الأربعينيات. وحتى بعد حرب العام 1967، بقيت مواقف دول أميركا اللاتينية، بشكل عام، أقرب الى مواقف إسرائيل، باستثناء كوبا طبعاً. وتقول ريجينا شريف ان أقوى المؤيدين لإسرائيل في الأمم المتحدة حتى العام 1973 كانت حكومات باربادوس وكوستاريكا وبوليفيا وجمهورية الدومينيكان وهاييتي ونيكاراغوا. لكن بوليفيا غيّرت موقفها من التصويت لصالح إسرائيل في الأعوام 1972- 1974 الى الإمتناع عن التصويت على القرارات الخاصة بالصراع في الشرق الأوسط في الأعوام 1975- 1976. وحتى العام 1977، كانت كوستاريكا وهاييتي وهوندوراس ونيكاراغوا والسلفادور وجمهورية الدومينيكان، وكلها دول صغيرة نسبياً تقع في أميركا الوسطى والكاريبي، تصوّت لصالح إسرائيل (6). حيث لم تصوّت أيّ من هذه الدول ضد إسرائيل في إي قرار يتعلق بالشرق الأوسط حتى ذلك العام. أما البرازيل، فقد انتقلت من الإمتناع عن التصويت الى التصويت لإدانة إسرائيل في العامين 1975 و1976، حسب المصدر ذاته. وكانت شركة النفط البرازيلية بتروبراس قد طوّرت علاقاتها مع الشركات النفطية العربية، وخاصة العراقية والمصرية والجزائرية، بعد العام 1973، أي بعد ارتفاع أسعار النفط العالمية.
وتقول ريجينا شريف إن الديكتاتوريات في القارة كانت تتخوف من اتخاذ موقف باتجاه إدانة إسرائيل كي لا تحاسب مثلها على انتهاكات حقوق الإنسان في بلدانها. ولكن، بشكل عام، جرى تحول في تصويتات عدد من دول أميركا اللاتينية بشأن القضية الفلسطينية وقضايا الصراع العربي- الإسرائيلي في أواخر العام 1974، أي بعد الإعتراف العربي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني في قمة الرباط العربية، ومن ثم إلقاء رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات لخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وقبول المنظمة في العام ذاته عضواً مراقباً في الجمعية العامة.
لكن بقيت بعض الدول، خاصة في أميركا الوسطى والكاريبي (باستثناء كوبا)، تتلقى الدعم متنوع الأشكال من إسرائيل وتدافع عنها في الأمم المتحدة. وذهب ممثل كوستاريكا في خطابه في العام 1975 الى حد نفي مسؤولية إسرائيل عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ونفي تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني. أما نظام بينوتشيت في تشيلي، فقد نقل موقف بلده المؤيد للقضايا العربية ابان إدارة سلفادور أييندي (اليندي) اليسارية الى تأييدٍ لإسرائيل بعد الإنقلاب، لكنه اضطر الى العودة لتغيير تصويتاته مراعاةً للمشاعر العربية بعد العام 1973 بهدف استدراج الإستثمارات العربية. وقد لعبت الضغوط الأميركية على النظام العسكري، بالإضافة الى علاقاته العسكرية المتينة مع إسرائيل، حيث كانت تشيلي الإنقلابية تتلقى قسماً كبيراً من صادرات إسرائيل العسكرية الى القارة، بالإضافة الى وجود خبراء عسكريين إسرائيليين في البلد للتدريب على الأسلحة وعلى أساليب مواجهة المعارضة، باتجاه منع النظام الإنقلابي من الذهاب بعيداً في هذا الصدد.(7)
ويرد في كتاب إدي كوفمان وزميليه انه، خلال الفترة 1956-1957، أثناء نقاشات الأمم المتحدة حول أزمة السويس، استخدمت الولايات المتحدة نفوذها “باتجاه مناهض لإسرائيل”. ومعروف ان الولايات المتحدة كانت تسعى، بعد حرب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر في أواخر العام 1956، لمنع انحياز مصر الكامل للمعسكر السوفييتي في أوج الحرب الباردة، خاصةً بعد أن اتخذت موسكو موقفاً قوياً يدين هذا العدوان وهدّدت بالتدخل ضد الأطراف الثلاثة المعتدية. كما كانت واشنطن ترغب في طي صفحة النفوذ الأوروبي القديم في منطقة الشرق الأوسط والسعي للحلول مكان الدول الأوروبية لـ”ملء الفراغ” الذي يمكن أن يحدث مع انسحابها من المنطقة، والذي يمكن أن يملأه، برأي واشنطن، خصمها الأكبر، الإتحاد السوفييتي. وهو ما دفع الرئيس الأميركي آنذاك، دوايت أيزنهاور، الى ممارسة الضغط على إسرائيل في مطلع العام 1957 للإنسحاب من الأراضي التي احتلتها في الحرب، أي شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة. وقد اضطرت إسرائيل للإستجابة لهذا الضغط في ظرف أيام.
أما بعد حرب حزيران/يونيو 1967، فكانت الولايات المتحدة، حسب ما أورده إدي كوفمان وشريكاه، تسعى بنشاط للحصول على دعم أميركي لاتيني لقرار لصالح إسرائيل في مواجهة دبلوماسية ما كانت تعتبره واشنطن تحالفاً سوفييتياً – عربياً في الأمم المتحدة… وذلك في زمن كانت فيه العلاقات الأميركية اللاتينية مع العرب ضعيفة وبقيت كذلك حتى أواخر الستينيات، حين أصبح عدد من البلدان الأميركية اللاتينية يشارك في منظمة دول عدم الإنحياز، مما دفعها، وفق كوفمان وشريكيه، لمجاراة العرب في قرارات المنظمة السياسية، دون أن يؤثر ذلك على العلاقات الثنائية لهذه الدول مع إسرائيل، باستثناء كوبا طبعا، التي تردت علاقاتها مع إسرائيل في تلك المرحلة، وانتهت بالقطيعة في العام 1973، كما سبق وذكرنا. (8)
وكانت منظمة الدول الأميركية، التي تضم دول شمال القارة الأميركية ووسطها وجنوبها، أي تشمل دول أميركا اللاتينية والكاريبي بالإضافة الى الولايات المتحدة وكندا، قد قبلت إسرائيل كعضو مراقب في المنظمة في العام 1972. وهو امتياز لم تحصل عليه أية دولة أخرى من خارج القارة سوى إسبانيا، لأسباب تاريخية يمكن فهمها بالنسبة للأخيرة. فيما العضوية الإسرائيلية تبدو قراراً غير عادي.
وصوّتت كل دول أميركا اللاتينية، ما عدا غواتيمالا وجمهورية الدومينيكان، اللتين امتنعتا عن التصويت، على قرار شجب تطبيق القانون الأساسي الإسرائيلي على مدينة القدس في العام 1980. وإثر ذلك، وبناء على ما جاء في القرار، انتقلت البعثات الأميركية اللاتينية الإثنتي عشرة من القدس الى تل أبيب. وعادت لاحقاً منها الى القدس بعثات كوستاريكا والسلفادور وهوندوراس، وكلها من الدول الصغيرة نسبياً في أميركا الوسطى.
وشهدت أواخر الثمانينيات حدثاً مهماً في ساحة الصراع العربي- الإسرائيلي تمثل في اندلاع الإنتفاضة الشعبية الكبرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وذلك في أواخر العام 1987. وقد أثارت هذه الإنتفاضة تعاطفاً عالمياً واسعاً مع شعب فلسطين، عكَس نفسه، بالضرورة، على مواقف حكومات دول أميركا اللاتينية في الهيئات الدولية.
فعلى سبيل المثال، صوّتت معظم دول أميركا اللاتينية لصالح القرار 44/2 الصادر بتاريخ 6/10/1989 تحت عنوان “إنتفاضة الشعب الفلسطيني”، والذي يدين سياسات وممارسات إسرائيل، القوة القائمة بالإحتلال، التي تنتهك حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس، ويدعو إسرائيل للإلتزام باتفاقية جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ويعتبر أن احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية منذ العام 1967، بما في ذلك القدس، وبقية الأراضي العربية المحتلة، لا يغيّر من الوضع القانوني لهذه الأراضي. فقد صوتت 140 دولة عضو لصالح القرار، من بينها 22 دولة من أميركا الجنوبية والوسطى والكاريبي، بالإضافة الى المكسيك من أميركا الشمالية (وهي: الأرجنتين، والباهاماس، وباربادوس، وبيليز، وبوليفيا، والبرازيل، وتشيلي، وكولومبيا، وكوستاريكا، وكوبا، وإكوادور، وغواتيمالا، وغويانا، وهاييتي، وجامايكا، ونيكاراغوا، وبناما، وباراغواي، وبيرو، وسورينام، وترينيداد وتوباغو، وفنزويلا). وهو القرار الذي لم يصوّت ضده سوى الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتنعت عن التصويت عليه 6 دول (من بينها 5 من أميركا اللاتينية والكاريبي، هي: أنتيغوا وباربودا، والسلفادور، وغرينادا، وسانت فنسنت والغرينادين، وأوروغواي. والأخيرة هي الوحيدة بينها الواقعة في أميركا الجنوبية)، وتغيّبت عن التصويت 11 دولة من دول العالم (من بينها دومينيكا، وجمهورية الدومينيكان، وهوندوراس، وسانت كيتس ونيفيس، وسانتا لوسيا، وجميعها من أميركا الوسطى والكاريبي).(9)
وهو ما يؤشر، بوضوح، الى مزاج جديد لم يكن ليرضي إسرائيل طبعاً. ولكن معظم دول القارة كانت قد انتقلت في ذلك العقد الى مستويات متفاوتة من الحريات الديمقراطية واعتماد الإنتخابات الحرة المفتوحة، مما فرض، الى حد كبير، أخذ الحكومات المنتخبة هناك بعين الإعتبار مزاج الرأي العام في هذه البلدان.
وبعد ذلك بأسابيع، في 15/12/1989، جرى التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم 44/121 المعنون “تسلح إسرائيل النووي”، والذي كرر إدانة رفض إسرائيل التخلي عن إمتلاك الأسلحة النووية، وكرر إدانة التعاون بين إسرائيل وجنوب إفريقيا (التي كانت لا تزال آنذاك تعيش في ظل نظام الفصل العنصري)، ويطالب بوضع منشآت إسرائيل النووية تحت إشراف وكالة الطاقة النووية الدولية. وصوّت لصالح القرار 104 دول أعضاء (من بينها 16 دولة من أميركا الجنوبية والوسطى والكاريبي، بالإضافة الى المكسيك، الواقعة في أميركا الشمالية، ومن بين هذه الدول: الأرجنتين، والبرازيل، وكولومبيا، وإكوادور، وغويانا، ونيكاراغوا، وبيرو، وفنزويلا). وعارضت القرار الولايات المتحدة وإسرائيل وحدهما. وامتنعت 43 دولة عن التصويت على القرار (من بينها 14 دولة من أميركا اللاتينية والكاريبي، وكلها من أميركا الوسطى والكاريبي، باستثناء تشيلي وأوروغواي وحدهما من أميركا الجنوبية). ولم تشارك في التصويت 10 دول (من بينها دولتان فقط من أميركا اللاتينية، والوسطى تحديداً، هما بيليز، وبنما) (10).
ولنقارن مع التصويت الذي جرى بعد ذلك بتسعة أعوام، وتحديداً في 9/12/1998، وكان، آنذاك، قد تم التوقيع على اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، لا بل وكانت قد بدأت تظهر بوادر تعثر تطبيق هذا الإتفاق إثر اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي تبنى الإتفاق، إسحق رابين، في أواخر العام 1995، ومن ثم مجيء اليمين الإسرائيلي المتشدد الى الحكم في العام التالي واتضاح مساعيه العملية لعرقلة الإستمرار في التعامل مع هذا الإتفاق.
ففي التصويت على القرار 36/98 تحت عنوان “تسلح إسرائيل النووي”، والذي دعا الى تخلي إسرائيل بدون تأخير عن إمتلاك الأسلحة النووية ووضع كافة نشاطاتها النووية تحت إشراف دولي، صوّتت 101 دولة لصالح القرار (من بينها 15 دولة من أميركا الجنوبية والوسطى والكاريبي، بالإضافة الى المكسيك- من أميركا الشمالية-)، وعارضته الولايات المتحدة وإسرائيل وحدهما. وامتنعت 39 دولة عن التصويت (من بينها 11 دولة من أميركا الجنوبية والوسطى والكاريبي)، وتغيبت عن التصويت 15 دولة (من بينها 5 دول من أميركا الجنوبية والكاريبي).(11)
ونلاحظ بين القرارين في العامين 1989 و1998 حول موضوع التسلح النووي شبه ثبات في مواقف دول القارة اللاتينية والكاريبي. لكن التغيرات الأوسع ستحصل بعد ذلك، مع موجة نجاحات القيادات والقوى اليسارية في الإنتخابات التي جرت منذ العامين الأخيرين في القرن العشرين.
***
ففي مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، اتسع التعاطف الأميركي اللاتيني الرسمي مع قضية الشعب الفلسطيني، خاصةً، كما ذكرنا، بعد نجاحات القوى اليسارية في الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في العديد من بلدان المنطقة، والإعترافات المتزايدة بالحقوق الفلسطينية، بما في ذلك بالنسبة لعدد من دول القارة الإعتراف بدولة فلسطين. وانعكس ذلك في التصويت على قرارات منظمة الأمم المتحدة، حتى من قبل بعض الدول التي لا تزال تقيم علاقات وثيقة مع إسرائيل في مجالات مختلفة، بما في ذلك في المجالين العسكري والتكنولوجي، مثل كولومبيا وبنما وغواتيمالا وهوندوراس. والأخيرة، أي هوندوراس، شهدت إنقلاباً عسكرياً في حزيران/يونيو 2009 على الرئيس المنتخب مانويل سيلايا، الذي كان قد اقترب من القيادات اليسارية في أميركا الجنوبية أثناء حكمه، وهو الإنقلاب الذي لم تعترف به من دول العالم سوى إسرائيل وتايوان(12). وهكذا تضطر دول القارة الى الأخذ بالإعتبار المزاج الشعبي الواسع هناك، المتعاطف مع التطلعات والحقوق الفلسطينية، والغاضب الى حد كبير على السياسات القمعية الإسرائيلية وحروبها في الشرق الأوسط، الى جانب دورها (أي دور إسرائيل) المعروف في دعم الأنظمة الإستبدادية والدموية في القارة، كما سبق وذكرنا.
ويمكن أن نتلمس هذا التحول الكبير في التصويت على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة العام 2011. ففي التصويت على القرار 66/18 الصادر بتاريخ 30/11/2011، والمتعلق بعدم شرعية التغييرات التي تجريها إسرائيل في القدس المحتلة عام 1967، وهو القرار الذي حاز على موافقة 164 دولة واعترضت عليه 7 دول فقط (ليس من بينها أية دولة من أميركا اللاتينية والكاريبي)، وامتنعت 5 دول فقط (من بينها دولتان من أميركا الوسطى والكاريبي: هاييتي، وبنما) وتغيبت 17 (بينها دومينيكا فقط من الكاريبي)، صوّتت كافة دول أميركا اللاتينية والكاريبي الأخرى الأعضاء في الجمعية العامة الى جانب القرار.(13)
وفي التصويت على القرار رقم 66/17 في اليوم ذاته 30/11/2011 والخاص بـ”تسوية سلمية للمسألة الفلسطينية” والذي يعيد التأكيد على قرارات الأمم المتحدة السابقة، بما فيها القرار 1515 للعام 2003، ويدعو الى انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وحق اللاجئين في العودة وفق القرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة للعام 1948، وهو القرار الذي وافقت عليه 167 دولة وعارضته 7 دول فقط وامتنعت عن التصويت عليه 4 دول، فيما تغيّبت 15 دولة (من بينها دولتان من أميركا اللاتينية والكاريبي هما: دومينيكا، وهوندوراس)، فقد صوّتت الى جانبه كافة دول أميركا اللاتينية والكاريبي، بما في ذلك هاييتي وبنما اللتان امتنعتا عن التصويت على القرار السابق.(14)
أما في الإقتراع على القرار رقم 66/14 الصادر بتاريخ 30/11/2011 والمتعلق باللجنة الخاصة بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، والذي أعاد التأكيد على قرارات الجمعية العامة السابقة إبتداء من القرار 181 للعام 1947 والقرار 194 للعام 1948 والقرار 3236 للعام 1974، والذي دعا كل الدول والمنظمات الى دعم عمل اللجنة الخاصة، فقد صوّتت لصالحه 115 دولة، ولم تعارضه سوى 8 دول (ليس بينها أية دولة من أميركا اللاتينية والكاريبي)، وامتنعت عن التصويت 53 دولة (بينها خمس دول من أميركا الوسطى والجنوبية، هي: كولومبيا، وغواتيمالا، وهوندوراس، وبيرو، وبناما، الى جانب معظم الدول الأوروبية)، ولم تشارك في التصويت 17 دولة (من بينها دومينيكا). وهكذا، فقد صوّتت كل دول أميركا اللاتينية والكاريبي الأخرى، أي ما عدا الدول الست المذكورة الممتنعة والمتغيبة، الى جانب القرار.(15)
أما على قرار الجمعية العامة رقم 66/78 الصادر بتاريخ 9/12/2011 والمتعلق بـ”المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي الجولان السوري المحتل”، كما جاء في عنوان القرار في موقع الأمم المتحدة الإلكتروني، وهو القرار الذي اعتبر هذه المستوطنات غير شرعية وعقبة أمام السلام وأمام التطور الإقتصادي والإجتماعي، ودعا إسرائيل الى وقف الإستيطان، بما في ذلك في القدس الشرقية، واحترام إتفاقية جنيف الرابعة، كما أدان اعتداءات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين وأملاكهم، فجاء التصويت لصالح القرار كثيفاً بموافقة 162 دولة ومعارضة 7 دول (ليس بينها أية دولة من أميركا اللاتينية والكاريبي)، وامتناع 4 دول (بينها بنما من أميركا الوسطى)، وعدم مشاركة 20 دولة في التصويت (بينها دومينيكا، وسورينام). وهكذا، صوّتت كافة دول أميركا اللاتينية والكاريبي الأخرى (أي ما عدا الدولة الممتنعة والدولتين المتغيبتين) الى جانب القرار، بما في ذلك أربع دول كانت قد امتنعت عن التصويت على القرار السابق المتعلق باللجنة الخاصة لممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف.(16)
أما القرار رقم 66/146 الصادر بتاريخ 19/12/2011، والمتعلق بـ”حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير”، والذي يؤكد على حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والذي صوّتت لصالحه 182 دولة وعارضته 7 دول وامتنعت 3 دول عن التصويت عليه، ولم تشارك في التصويت دولة واحدة فقط، فصوتت لصالح القرار كافة الدول الأميركية اللاتينية ودول الكاريبي، بدون إستثناء وبدون غياب.(17)
والقرار الشهير رقم 67/28 الصادر بتاريخ 26/11/2012 والذي تقرر فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة “منح فلسطين وضعية دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة” فقد صوتت غالبية ساحقة (25 دولة) من دول أميركا اللاتينية والكاريبي الى جانبه، باستثناء بنما، التي صوتت وحدها من دول القارة ضد، وباهاماس وبربادوس وكولومبيا وغواتيمالا وهاييتي وباراغواي، التي امتنعت عن التصويت. (188)
وهذا التصويت الكاسح لصالح الحقوق الوطنية الفلسطينية يؤشّر الى التغيّر الكبير الذي حصل خلال العقود الأخيرة في مواقف دول أميركا اللاتينية والكاريبي تجاه إسرائيل وسياساتها التعسفية بحق الشعب الفلسطيني وتنكرها لحقوقه الوطنية وممارساتها في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، ويؤكد ما ذهبنا إليه في البداية من حدوث إنقلاب حقيقي في المواقف السياسية لدول هذه المنطقة، التي تتزايد أهميتها على المسرح الدولي وعلى الصعيد الإقتصادي العالمي، تجاه سياسات إسرائيل وحقوق الشعب الفلسطيني. وهذه المواقف السياسية المعلنة تعود، بالأساس، كما سبق وذكرنا، الى تزايد وزن ودور الرأي العام الشعبي في القارة، المتعاطف على نطاق واسع مع الحقوق الوطنية الفلسطينية، بالإضافة الى دور وفاعلية الجاليات الفلسطينية والعربية في عموم القارة، وبالطبع، التحركات السياسية الفلسطينية هناك.
ومعروف أن هناك تجمعات بشرية كبيرة من ذوي الأصول الفلسطينية والعربية في معظم هذه البلدان، أهمها على الصعيد الفلسطيني ذلك التجمع البشري الكبير في تشيلي، والذي تعطى أرقام لحجمه تصل الى حوالي الأربعمئة ألف مواطن من أصل فلسطيني، مما يجعل أية حكومة في البلد، حتى لو لم تكن يسارية أو صاحبة مواقف سلبية تجاه سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل، كما هو الحال منذ العام 2010 بعد انتخاب الرئيس اليميني الحالي سيباستيان بينييرا، مضطرةً لأخذ هذا الوزن البشري بعين الإعتبار. وهناك، بالطبع، جاليات عربية نشطة في العديد من دول القارة، حيث تقدر بعض المصادر حجم ذوي الأصول العربية في بلد عملاق مثل البرازيل بحوالي العشرة ملايين، معظمهم من أصل لبناني، بحيث يتجاوز تعداد الجالية اللبنانية المقيمة هناك عدد سكان لبنان المقيمين فيه حالياً، حسب أحد المصادر.